Wednesday, January 25, 2012

عن 25 يناير... الدخول والخروج من سيلانترو (1)


ليلة الخامس والعشرين من يناير 2011

الساعة الرابعة صباحاً أجلس بجانب زوجي بعد أن فارق النوم أعيننا.
إحساس بالقلق الشديد.. لن أقول أنني كنت شجاعة وقلبي ميت.. بالعكس كنت خائفة بشكل لا يوصف.. ببساطة هموت من الرعب.
كنت قد كتبت مسودة لوصيتي ووضعتها في درج الكومودينو في حالة عدم عودتي لبيتي مرة أخرى ولم أقل شيئاً عنها إلا مؤخراً... فربما عند فرز أشيائي قد يعثر زوجي أو إخواتي عليها.
مجرد أشياء بسيطة.. أحلام.. طلبات أردت تحقيقها قبل وفاتي، وبعض الأشياء من قبيل.. خللوا بالكم من بعض، من سيأخذ كتبي وملابسي.. كيف ستوزعون أشيائي.. قد تكون تافهة وبلهاء الآن، ولكن وقتها كانت في غاية الأهمية.

لم أدري كيف نمنا ليلتها.. ساعات قليلة استيقظنا بعدها كما يستيقظ الطالب صباح إمتحان لم يذاكر له إلا قبله بأسبوع واحد فقط... محدش مراجع!

لم نعلم أن الإمتحان لم يكن من المنهج أو حتى خارجه.
لقد طردنا من وضعوا لنا المنهج والأسئلة واستهانوا بقدراتنا وقمنا نحن بوضع إمتحان سقط فيه رأس النظام بأكمله!

صباح وظهيرة الخامس والعشرين من يناير 2011

لكن في هذه الساعة (العاشرة صباحاً) من صباح يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من يناير... كنا نهاب الموقف.. نهاب اللجنة والمراقب والمشرف وواضع الأسئلة، لم يدر أحداً منا يتخيل ما سيحدث.

استيقظت أنا وعلي زوجي ومحمد أخي الذي أقام معنا تلك الليلة، قفزنا بسرعة داخل ملابسنا الثقيلة.
أتذكر جيداً الجروب الذي أنشأته صديقتنا داليا صلاح الدين قبلها بأسبوع تقريباً لإرشاد البنات والسيدات عن كيفية ارتداء طبقات من الملابس تجنباً للتمزيق والتعرض للتحرش، ذلك بجانب نصائح للدفاع عن النفس حتى الإستماتة لكي لا نقع في أيدي مخبرين أمن الدولة وضباط وعساكر الشرطة المتخصصين في التحرش بالفتيات لإرهابهم وكسر شعورهم بالعزة والكرامة.

قمت بتنفيذ النصائح بحذافيرها وارتديت أطنان من طبقات الملابس طمعاً في التدفئة والأمان في نفس الوقت.
تركنا المنزل في تمام الحادية عشرة إلا الربع تقريباً وقابلنا صديقنا أحمد القطب بالصدفة البحتة في شارع محيي الدين أبو العز حيث استقلينا تاكسي سوياً حتى سيلانترو بميدان مصطفى محمود.

الميدان مكتظ بعربات بوكس وأمن مركزي، وعربتان ترحيلات، وبعض سيارات الشرطة.. هذا غير العدد الخرافي من اللواءات والعمداء والرتب المتنوعة التي ترصصت  محشوراً بينهم بعض المخبرين الذين يعيشون كالعادة في دور رجل الشارع العادي، لكنه يفشل بجدارة!

وجدنا أصدقاءنا يتناولون إفطارهم بالفعل، يحتجزون مساحة كبيرة من الكافيه، بجانبهم أكياس بلاستيكية كبيرة بها العديد من الورق الأبيض الكبير والأقلام بعد كتابة الهتافات على اللافتات.
جلسنا نتحدث ونضحك على أشياء أخرى غير المسيرة والمظاهرة (التي كنا ندعو الله أن يصل عددها على الأقل إلى 5000 شخص) حتى لا نلفت الأنظار التي التفتت بالفعل إلينا وإلى عددنا الكبير... أنظار هؤلاء المخبرين الذين تناثروا داخل المكان بدهونهم، وكروشهم، وشنباتهم، ونظاراتهم الراي بان موديل الثمانينيات!

اتفقسنا وهما كمان اتفقسوا!!
والذي زاد الطين بلة أننا قمنا لنصلي الظهر بعد أن أذن، خلف الترابيزات المتراصة، وذهب محمد أخي والبراء أشرف فقط للصلاة في مسجد مصطفى محمود!
بعد ان انتهينا من الصلاة وجدنا أحد هؤلاء الأوركس يجلس على ترابيزة ملاصقة لنا ويشاور للنادل بيديه كرواد المقاهي البلدي المحترفين... "واحد شاي" وظرفه 50 قرش!!!

متآمر وأهبل!!
كانت تلك إشارة لأن يتجول ثلاثة منهم وسطنا يفتشون في أشياءنا ونحن جالسون مشدوهين من الصدمة، لا نريد الإحتكاك بهم ولو بالنظر حتى لا تكون حجة للإعتقال في ظل سلطة الطواريء التي تسمح بأي شيء في أي مكان.
خرجوا من المكان بعد أن أخذوا جميع الأكياس التي نحملها والأوراق والأقلام واللافتات التي فشلت أن تختبيء بأدبها وكشفت عن نفسها.
بدأنا نتفق على الخروج من المكان ثلاثة ثلاثة كل خمس أو عشر دقائق، رجل مع كل فتاتين، ونعود للتجمع أمام مسجد مصطفى محمود بعد ذلك بعد مراوغة الضباط والمخبرين.

شعرت بمغص ذلك الإسهال المفاجيء الذي لا يأتي إلا صباح يوم الإمتحان الصعب.. تركت أصدقائي وزوجي ودخلت الحمام. غبت لمدة 10 دقائق وخرجت لأجد المساحة التي كنا نحتلها خالية تماماً، والجرسونات ينظرون إلي وكأنني ارتكبت خطئاً بخروجي من الحمام في ذلك التوقيت!
وقفت متمسمرة في مكاني لا أدري ما أفعل.. أشتم شيئاً ما غير مريح.. حتى فوجئت بعلي يدخل الباب ويتجه ناحيتي محاولاً رسم ابتسامة شاحبة.. أمسك ذراعي بقوة وقال بصوت عالي... إنتي فين يا بنتي مستنيكي ع الفطار بقالي وقت كبير، ثم مال على وجهي بعد أنا أجلسني أمامه وقال: "كل شيء فشل.. كلهم اتقبض عليهم يا مريم.. كلهم اتقبض عليهم وأنا عملت نفسي معرفهمش ومش واخد بالي"!

سكت قليلاً وحاول أن يهدأ.. سألته: "محمد معاهم؟!".. قال لي مش عارف حتى وجد تليفونه يرن..

أيوة يا محمد أنت فين؟

أنا واقف في الصينية اللي في نص الميدان أنا وبراء وشايفين الناس بيتبقض عليهم.. هي مريم ودعاء معاهم؟

لأ.. مريم معايا هنا، ودعاء الوحيدة اللي عرفت تفلت ومشيت في اتجاه شارع وادي النيل.

أغلق التليفون وقام بإرسال رسائل و
BBMs لكل أرقام الصحفيين من أصدقاءنا خبر القبض على 20 شخص من داخل سيلانترو مصطفى محمود

Sunday, January 1, 2012

حكاية العام




 من المؤسف أنني لم أكتب حرفاً واحداً هذا العام... في الوقت الذي أمسك فيه الجميع الأقلام وقامت ملايين الأصابع بالنقر على
 الكيبورد الخاص بهم لسطر مواقف وأحداث مرت عليهم أو على أحد أصدقائهم.. هذا ببساطة لأن حكايات هذا العام تختلف عن أي حكايات... هي قصص أشبه بالأساطير الإغريقية شديدة التعقيد والتي وإن عدنا للوراء عام من الآن... أي مساء اليوم الأخير من نهاية العام 2010 وتنبأ لنا أحد العرافين بما سيحدث.. لقلنا أنه مخبول وأن جنونه يمزج الفرحة بالتعاسة بشكل مبالغ فيه

تبدأ أولى مشاهد العام، والذي انتهى منذ دقائق قليلة، بإنفجار حدث في الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل في  بداية اليوم الأول من العام 2011 بكنيسة القديسين بالإسكندرية حيث قتل العشرات من اخوتنا الأقباط المسيحيين أثناء إحتفالهم ببداية العام
الجديد وأصيب آخرين

بهذا المشهد الدموي والمأساوي بدأ العام وكأنه فيلم أكشن متسارع الوتيرة بشكل لا يجعلك تغفل لحظة عما يحدث حولك... في نفس الوقت كانت تونس قد استفاقت على تظاهرات تطالب بإسقاط النظام بعد تعدي الشرطة على المواطن محمد بوعزيزي وعربة وخضرواته مما دفعه إلى حرق نفسه ووفاته متأثراً بجروحه في الرابع من شهر يناير
انتصرت الثورة التونسية في أولى جولاتها يوم 14 يناير يوم هرب بن علي... وكان مشهد الرجل الذي خرج إلى الشارع وقت حظر التجوال هاتفاً " الحرية للتوانسة... بن علي هرب.. بن علي هرب" هو مشهد الذروة في حكاية الثورة التونسية

... يبدأ المشهد الثاني من حكايتنا في مصر يوم 25 من شهر يناير وبالتحديد يوم احتفال الشرطة بعيدها بمسيرات حاشدة ... ازدادت الأعداد بشكل كبير وانتهى اليوم بأعداد مهولة من قنابل الغاز المسيل للدموع لفض الإعتصام الذي قررنا بدأه وكانت مطالبنا... إقالة حبيب العادلي وزير الداخلية... حد أدنى من الأجور 1200 جنيه...ببساطة.. عيش حرية عدالة وإنسانية... توالت افمظاهرات  والإحتكاكات يومياً مع الشرطة حتى جاءت جمعة الغضب الأولى وحدث التحول التاريخي في أحداث الفيلم حيث انقلبت التظاهرات إلى ثورة وبدأ اعتصام في تلك الليلة استمر حتى تنحى مبارك ليلة الحادي عشر من شهر فبراير

 وبما أنني أعرف نفسي جيداً أنني فاشلة في سرد الحكايات أو ببساطة كثرة الأحداث وزخمها لا يمكن أن يختصر في بضعة كلمات

ثورة تونس.. ثورة مصر.. ثورة اليمن.. ثورة البحرين.. ثورة ليبيا.... وثورة سوريا... جميعها حكايات وقصص تملأ ملايين الكتب... التاريخ أخذ مجرى ومنحنى مختلف تماماً... ولا يمكننا الرجوع الآن... أكثر من ألف شهيد على مدار العام ثمن غال ولا يمكننا أن نفرط في حقوقهم التي لم ترجع حتى الآن ولن ترجع إلا بعد أن نتنفس الحرية الحقيقة وليست الديموقراطية العسكرية المزعومة

لم تنتهى الحكاية في مصر بتنحي مبارك... لقد اكتشفنا  أن هذه كانت مجرد البداية

تمام مثل أفلام الأكشن والغموض حين تكتشف أن الصديق الذي كان يساعدك طوال الفيلم وساندك وخلصك من كل العقبات... هو العقل المدبر لكل شيء وأنك الآن وحدك... ليس لك أحد تلجأ إليه إلا الله... ولكن مثل أي فيلم يرضي جميع المشاهدين لابد للخير وأن ينتصر... ربما ليس في الجزء الأول من الفيلم... ولكن نتمنى أن ينتهي أذى ذلك الصديق الكاذب في الجزء الثاني عام 2012 بإذن الله  أو يعود إلى ثكناته

اتمنى أن يكون الفيلم من جزأين فقط وليس سلسلة مرعبة كاملة لا تنتهي من فيلم
Friday the 13th

لا تنسوا في هذه الليلة المباركة الدعاء لشهداءنا جميعاً بدايةً من خالد سعيد رحمه الله ونرجو أن تكون نهايةً بطالب الهندسة محمد
مصطفى والذي توفي في الأحداث الأخيرة عند مجلس الوزراء

حرر مصر يارب من حكم العسكر... وبارك بلادي
وداعاً 2011